الكرات:
لا شك في أن الكاتب الفرنسي الكبير أناتول فرانس قد غمط الكرات حقه عندما أسماه
(( هليون الفقير )) . والواقع أن هذا النوع من الخضار ، رغم رخص ثمنه ، يستطيع ، إذا ما أعد ‘إعدادا جيدا ، أن ينافس الهليون على صعيد التغذية وأن يتفوق عليه إلى مدى بعيد في مجال الاستشفاء بما يحتوي من غنى بالعناصر النشيطة التي لا بد منها للصحة . والكرات ، كالهليون ، يحتوي على الفيتامينات والحديد والمنغانيز والفوسفور ، بيد انه يشتمل أيضا على أملاح معدنية أخرى (( الكلسيوم والمغنيزيوم والبوتاس والسودا والكبريت والجير )) ،وكذلك على خلاصة sulfo- azotée وعلى الكلوروفيل واللعابين mucilage والسلليلوز أو سكر الخشب ، أو انه مخزن حقيقي للعناصر ذات الفائدة القصوى لوظائف الجسم المختلفة ولحسن قيام الأعضاء بها .
وأولى الفضائل التي تسند إلى الكرات هي تأثيره النافع على الأوتار الصوتية والجهاز التنفسي المرتبط بها .
يروي المؤرخ (( بلين )) ان (( نيرون )) الإمبراطور الروماني الذي كان يحسب نفسه فنانا ، كان يختص يوما في الشهر لا يأكل فيه غير الكرات لكي يحسن صوته . إلا أن (( بلين )) لا يوضح لنا ما إذا كانت هذه الحمية الخاصة قد أعطت فعلا النتيجة المتوخاة ، ولكن ما هو أكيد إن أنواع الحساء التي يدخلها الكرات موصوفة الآن ضد البحة والسعال اللذين يصاحبان أمراض الشتاء المختلفة التي يتعرض لها كل واحد منا .
والأكيد أيضا أن هذه الخضار تقوي دفاعنا الطبيعي المهدد بالاعتداءات الفصلية أو الجرثومية لأنه يعطينا الفيتامين (( ب )) وهو عنصر التوازن العام ، والفيتامين (( ث )) الثمين في مقاومة حالات الإنتان lnfectieux والتعب .
ومع ذلك فان أجل خدمة يقدمها الكرات إلى الإنسان هي الجهاز الهضمي. فهو مقبل ــ وبهذه الصفة نجده مائلا في كتب الطب التي ترجع استطاعت أكثر المعد الحساسة تقبله وهضمه دون أن يسبب لها أي تقبض كالذي تبديه حيال غيره من الأطعمة . زد على ذلك انه يريح المعدة وينشطها. واختماره يسهل عمليتي الهضم والامتصاص . أما ما يحتوي عليه من كبريت فيقاوم التخمرات العفنة .
أما سكر الخشب الذي يكثر في الكرات واللعابين . mucilage أيضا فانهما يقومان بتنظيف الامعاء تنظيفا شاملا ، فالعنصر الأول يجرف أثناء مروره في الأمعاء جميع ما يكون قد تخلف فيها من فضلات الطعام ، بينما يعمل العنصر الثاني في طرحها خارجا ، ومن هنا ظفر الكرات بشهرته ــ التي لا شك فيها ــ بصفته ملينا لطيفا وطبيعيا .
وفضائل الكرات لا تتوقف هنا . فهو يقاوم فقر الدم لأن ما يحتوي عليه من الحديد ينشط توالد وعمل الكريات الحمراء . وهو يقوي العظام والجلد بفضل ما يضم من الجير ولكلس . كما انه ينشط الجهاز العصبي بما يحمل من مغنيزيوم .
والكرات موصوف في أمراض تصلب الشرايين والروماتيزم والتهابات الكلى والمثانة والسمنة لأن ما يحتوي عليه من خلاصة sulfo-Azotée يضعه في مصاف أفضل مدرات البول التي جعلتها الطبيعة بتصرفنا .
وغنى الكرات بالأملاح القلوية يبلغ درجة جعلت بعض الباحثين لا يترددون في القول ان معالجة بالكرات لا تقل نفعا عن معالجة بمياه (( فيشي )) المعدنية .
إلا أن أهم ميزة في الكرات هي انه يقدم إلينا ، في فصل الشتاء ، عنصرا لا غنى عنه على ندرته في الأشهر الباردة ، ألا وهو الكلوروفيل .
وقد دلت الأبحاث العلمية ان الورقة ، هذا المختبر البيوكيميائي الضخم الذي يغذيه النور ، يملك قيمة بيولوجية رفيعة ، فهي ، من ناحية ، توفر عناصر في تطور التوالد أي إنها تكون أسهل امتصاصا ، كما إن الكلوروفيل يعتبر ، من ناحية ثانية ، منشطا فعالا للتبادل الغذائي ، جدير بتسهيل عملية استخدام المواد الغذائية المبتلعة ، كما انه ، في الوقت نفسه ، منشط لقدرة العضلة القلبية ،
فحذار من تبديد مادة على مثل هذه القيمة : احتفظوا دائما بالأوراق الخضراء للكرات ، وإذا كنتم من أصحاب الحدائق ، تشبهوا بالفلاحين الذين يكتفون ، بدافع من الاقتصاد أو الحكمة ، يقطع أوراق الكرات لصنع الحساء ولا يقتلعون الكرات كله إلا عندما يريدون طهو طبق منه أو إذا ما رأوه أوشك أن يبرز .